السفينة


بقلم : منذر ابو حلتم

هناك اغنية قديمة للفنان الصديق والرائع سميح شقير يقول في مطلعها

لهفي عالسفينة .. بين تلال الموج ..
مكسورة الصواري
والرياح تهوج
ورجال السفينة .. اختلفوا
ضيعانه .. يا حزينة

اتذكر هذه الأغنية .. وأنا أتابع مايجري في سفينتا الوحيدة المشتركه .. فلسطين ! .. ترى هل يحق لنا عقلياً ووطنياً ومنطقياً .. أن نختلف ؟ وعلى ماذا؟ ولماذا ؟
ان قراءة تاريخ حركات التحرر وحروب التحرير .. التي خاضتها كل الشعوب الحية من أجل نيل استقلالها وحريتها الوطنية .. تعطينا الكثير من المؤشرات على ان اختلاف وجهات النظر السياسية والفكرية أمر صحي وايجابي ومطلوب .. شرط ان يكون هناك هدف واحد يسعى الجميع اليه ويضعونه بوصلة ثابته لا يحيدون جميعاً في السعي نحوها .. مهما اختلفت الإجتهادات .. هذه البوصلة هي الوطن .. الوطن الواحد الذي يجمع الجميع ..
ترى هل فشلت حماس في إدارتها للحكومة الفلسطينية ؟
السؤال بشكله السابق غير عادل اطلاقاً رغم وضوحه ومباشرته .. وربما كانت الصياغة الحقيقية للسؤال هي : هل أعطيت حماس الفرصة للنجاح؟ ولتطبيق برنامجها الوطني والسياسي ؟
كلنا يعلم ويعرف ماذا جرى منذ فوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي وتشكيلها للحكومة الفلسطينية ، وما تبع ذلك من حصار دولي شامل اقتصادياً وسياسيا ... حصار كامل خانق لم يسبق لشعب أعزل ان تعرض له على مدى التاريخ .. وبتواطؤ مخجل من دول العالم كافة .. ودون استثناء ..!
فهل نقول ان حماس كانت على خطأ ؟ او ان الشعب كان على خطأ ؟
ربما كانت افكاري تتساقط كنوع من العصف الفكري .. وكتساؤلات تجر تساؤلات .. لكن يمكن فهم تسلسل الأحداث حين نستعرضها كمسببات تؤدي الى نتائج ..
اذن .. كيف فازت حماس ؟ وهل فوزها يعني فشل الأطراف الأخرى؟
الواقع ان فسيفساء السياسة الوطنية الفلسطينية تتميز بخصوصية فريدة تماماً وربما لا توجد لدى شعوب أخرى ..وكإجابة على سؤالي السابق اقول .. لا لم يخسر الآخرون .. وليس من المطلوب ان يخسر أحد .. لأننا في وضعنا الفلسطيني إما أن نربح جميعاً .. او نخسر جميعاً .. هذا قدرنا .. وهذا مصيرنا الذي علينا ان نتعايش معه وان نستوعبه تماماً.
لم تحقق فتح ما كانت ترجوه من نتائج في الإنتخابات التشريعية لأسباب يعترف الجميع بأنها ناتجة عن اسباب من داخل فتح نفسها .. ويتفق الجميع على ان فتح ومنظمة التحرير بشكل عام كانت ولا تزال بحاجة لإعادة ترتيب بيتها الداخلي .. وللتخلص من ترسبات السلبيات الكثيرة التي افرزت الواقع الفلسطيني الحالي بكل غرائبيته .. ومتناقضاته ..
فما العمل ؟ وكيف السبيل للخروج من عنق الزجاجة ؟
الحل الوحيد يكمن في الإقتناع أولاً بأن سفينتنا واحدة .. وأن اختلاف بحارة السفينة لا يعني سوى غرق السفينة او ضياعها في محيطات تعج بالقراصنة والدوامات وحيتان القرش ..
الحل يكمن في التكامل .. تكامل البندقية المقاومة مع العمل السياسي الدبلوماسي .. تكامل الفكر الوطني مع البعد الديني .. الحل يكمن في ان تكون المقاومة هي السند القوي للدبلوماسية .. لأن المقاتل دون سياسة .. مجرد قوة عمياء .. والدبلوماسي دون قوة مجرد مهرج لا يضحك أحداً ..
الحل يكمن في وحدة الجميع الآن لأننا ما زلنا تحت الإحتلال .. ودولتنا لم تقم بعد .. وعاصمتنا محتله ... الحل يكمن في عدم الاختلاف على القشور ونسيان الأصل .. وأن نؤجل خلافاتنا الحزبية والسياسية الى مابعد قيام دولتنا واستقلالنا الحقيقي .. أما الآن فبوصلة سفينتنا يجب ان يكون لها هدف واحد هو الوطن وتحرير الوطن بوحدة الجميع وتكاتف الجميع
لا بديل الآن عن حكومة وحدة وطنية تشارك فيها كل الوان الطيف الفلسطيني بما يمتلكه من امكانيات وخبرات اكتسبها على مدى عقود من الكفاح السياسي والفكري والإقتصادي ..
الحل هو في وحدة تجمعنا .. وهذا لايعني فشل حماس .. وهو لا يعني انتصار فتح او غيرها فكما قلت لا رابح ولا خاسر في سفينتنا .. إما ان نربح جميعا او نخسر جميعا .. وسفينتنا ايها الأصدقاء لن تتوه بإذن الله .. لأن بوصلة السفينة تشير دائماً مهما كثرت العواصف .. وثارت الأعاصير .. تشير دوما الى جهة واحدة نتفق جميعنا عليها وهي .. القدس .. عاصمتنا وقبلتنا الأولى.