منذر ابو حلتم
لو كتب روائي عربي قبل عقدين من الزمن رواية يتخيل فيها وضع الامة العربية الآن .. فهو بالتأكيد كان سيتهم بالتطرف الخيالي وبسوداوية الفكر وانتحارية المنهج ..! فلم يكن اكثر المفكرين تشاؤماً يتخيل حالة الاغتراب والفصام التي تستشري الان في كافة مجالات الوجود العربي ..
ماذا جرى ؟
وهل كان ما يجري متوقعاً ؟
لقد حذر الكثيرون من المفكرين العرب على الدوام .. وكلت ايديهم وهم يدقون نواقيس الخطر لكنهم كانوا دائماً يقابلون بالقمع .. او بالتجاهل في احسن الظروف ! .. فغياب الديمقراطيه وتغول سلطة الانظمة الفرديه او الشموليه واستيلائها على كل شيء .. ادى الى تحييد الانسان العادي وعزله عن واقعه .. ووقوعه بين مطارق الخوف والقمع .. وسندانات البطالة والجهل والفساد …
حركات التحرر العربية سرعان ما كانت تقع في شرك الخلافات الايديولوجية ومن ثم السقوط في متاهات التشرذم والانشقاقات ..!
الايديولوجيات الدينيه لم تتمكن من تقديم برامج قادره على طرح البديل الذي يتعامل مع المتغيرات بلغة العصر وكان من الطبيعي ان تقع في شرك ( مقاومة الارهاب ) ليصبح دورها مجرد دور دفاعي سلبي ..
الايديولوجيات الفكريه العربية المستمده من الفكر الشيوعي لم تتمكن من تطوير أي منهج فكري يتناسب مع الواقع المفروض .. بل اصبح الكثير من هذه الاحزاب تمارس سياسات تتناقض تماما مع ابجديات مبادئها الفكريه .. وها هو الحزب الشيوعي العراقي يشارك في مجلس الحكم الذي عينه الاحتلال الامريكي ..!
وكان لانهيار الاتحاد السوفييتي في بدايات العقد الاخير من القرن الماضي .. والذي كان يشكل كفة الميزان الاخرى في الميزان الدولي ان اتاح للمعسكر الراسمالي الغربي ان يتقدم بكل ترساناته العسكرية والايديولوجيه والقدرات الاعلاميه والاقتصاديه ليملأ الفراغ الهائل الذي حدث .. وليبسط امبراطوريته على اقطار الارض ..
كل هذا تم ويتم في ظل جمود النظام العربي ورفضه المطلق للتعامل مع المتغيرات الدولية التاريخية. وكان على الانسان العربي ان يقف عارياً من أي غطاء ايديولوجي او اقتصادي او سياسي امام غزو شامل لم يعرف التاريخ مثالا له ..
كل ما سبق كان من الطبيعي ان ينتج الوضع العربي الراهن بكل تناقضاته وغرائبيته وبكل ما يعانيه الانسان العربي من فصام وتناقض وحيرة ..
ما العمل ؟ .. لن نمل ابداً من التكرار بأن هذه الامة تحمل في اعماقها بذرة الحياة .. وان العقل العربي المنوم مغناطيسياً والذي يتعرض باستمرار لغزو فكري ثقافي اقتصادي سياسي .. هذا العقل لا بد ان يستيقظ يوماً ليصحو على واقعه وليعمل على تغييره ..
ولن نمل ابداً من التكرار بأن على المثقف العربي .. والمفكر العربي الملتزم واجبات كبيرة تتمثل في التصدي لعمليات استئصال العقل العربي وعمليات زراعة العقول الهجينه الممسوخه
وتتمثل هذه الواجبات في الاستمرار بدق نواقيس الخطر واشعال الشموع .. مهما كانت حلكة الواقع وظلاميته .. وتتمثل في العمل على نهضة العقل العربي من حالة السقوط والسبات .. وتتمثل في عدم الوقوف على الحياد .. فما يجري يمس حياتنا ومستقبل اولادنا .. ومستقبل اوطاننا ووجودنا كأمة ..