اوباما في البيت الأبيض ... قناع اسود لنفس الوجه !


مقالة نشرت في صحيفة العرب الاسبوعي الصادرة في لندن بتاريخ 31/1/2009 .. ويسرني اعادة نشرها هنا


اوباما في البيت الأبيض ... قناع اسود لنفس الوجه 
!بقلم : منذر ابو حلتم

باراك حسين اوباما .. اسم قد يبدو غريباً ومتناقضاً .. وربما لم يكن هذا الاسم ليترك اثراً كبيراً لدى سامعه قبل سنوات قليلة الا فقط ما قد يثيره من استغراب لهذا الخليط الغريب من الأسماء التي تجتمع في الاسم الكامل لهذا الرجل.
لكن باراك حسين اوباما الان هو الرئيس الرابع والاربعون للولايات المتحدة الامريكية .. فماذا يعني ان يصبح اوباما رئيسا للولايات المتحدة ؟ وفي هذه الحقبة التاريخية بالذات ؟
بداية لا بد من الاشارة الى حجم الضجة الهائلة التي رافقت السيد اوباما منذ خطواته الاولى في سلم الادارة والسياسة الامريكية. فاوباما كان اصغر سيناتور يصبح عضوا في مجلس الشيوخ .. واول اسود ايضا يصبح عضوا في المجلس.. ثم خلال سنوات قليلة يلمع نجمه كأحد المرشحين البارزين للحزب الديمقراطي بعد خطاب حماسي القاه اوباما .. ليبدأ بعدها رحلته الماراثونية نحو البيت الابيض. لا اريد ان اسرد خطوات تولي اوباما .. وتفاصيل المنافسة بينه وبين هيلاري كلينتون .. والتي انتهت بفوزه بترشيح حزبه ، فهي تفاصيل يعرفها الجميع
لكن ما اود ذكره هنا هو الاسباب التي جعلت من اوباما .. هذا الرجل النحيل الاسود شخصية اسطورية جعلها الكثيرون تقترب من حدود القداسة .. بل ان الملايين ومن كافة الدول يرون فيه الرجل الحلم .. او الرجل المنقذ .. وكثرت التوقعات والاحلام والامال .. آمال هي في الواقع آمال بأمريكا جديده ... امريكا مختلفه ... امريكا شابة .. تقترب كثيرا من الحلم الامريكي ومن المغزى الرمزي لتمثال الحرية الذي يقف منذ بدايات الحلم الامريكي رافها مشعل الحرية في مانهاتن .. وهنا يكمن السر .. سر اوباما !
فالولايات المتحدة وفي العقد الاخير تحديدا .. فقدت الكثير والكثير جدا من موقعها كقوة عظمى هي الوحيده والاكبر في العالم .. فالحروب المتتالية من افغانستان الى العراق .. والتي انتهت بفشل كبير للسياسة الامريكية وللعسكرية الامريكية ايضاً .. ثم التناقص والتاكل الكبير في صورة الولايات المتحدة كقوة مؤثرة في معظم الصراعات الاقليمية العالمية .. وما تلا ذلك من ازمات اقتصادية متتالية .. انتهت بما يسمى الان بالكساد الاعظم في التاريخ والذي يفوق بتاثيراته السلبية الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي ... والوضع الهش والخطير الذي يمر به الاقتصاد الامريكي حاليا .. كل هذا استدعى ان يكون هناك تغيير كبير لصورة امريكا في العالم وداخل امريكا ايضا . وخاصة بعد التشوه الكبير لهذه الصورة على يد الرئيس السابق بوش والذي لا يختلف اثنان في انه الرئيس الأسوأ والاقل شعبية في التاريخ العالمي وليس الامريكي فقط.
فكيف يتم تغيير الصورة ؟ وكيف يتم تنفيذ عملية تجميل تعيد للولايات المتحدة العجوز الشمطاء صورتها الجميلة الشابة ؟
لابد من وجود رئيس بمواصفات محدده ... فالرئيس بوش سطحي الثقافة والمعرفه فلا بد ان يكون الرئيس الجديد مثقفا ويحمل شهادات عليا ... ولا بد للرئيس الجديد ان يرضي ليس فقط الناخب الامريكي بل الشعوب التي تريد الولايات المتحدة منها ان تكون من اتباعها والحالمين بها كقدوة وكحلم وكنموذج. والرئيس الجديد يجب ان يرضي كل الاديان ايضا وخاصة المسلمين الذين يتحكمون بمصادر الطاقة .. واليهود ايضا ... والملونين كذلك .. اذن ولكل ما سبق فلا بد من اوباما !
اوباما الذي يحمل شهادة الدكتوراه .. الاسود .. القادم من اصول اسلامية ... والمسيحي الملتزم .. والذي لبس القلنسوة اليهودية قرب حائط المبكى في القدس عند زيارته لاسرائيل .. والمتحدث بطلاقة وسهوله عن كل ما يريده الحالمون !
ولكن هل فعلا تتغير امريكا بتغير رئيسها ؟
للاسف لا .. فكلنا يعلم ان من يحكم في الولايات المتحدة هي مؤسسة كاملة .. ونظام كامل وتحالف ضخم لصناعات السلاح والطاقة وغيرها .ومنصب الرئيس هو بالنهاية منصب تنفيذي محدود ..وهو بالنهاية محاط بفريق كامل من المختصين ومن الاداريين على راسهم كبير موظفي البيت الابيض اليهودي وحامل الجنسية الاسرائيلية رام ايمانويل ... وعدد كبير من الصقور السياسيين ومن ضمنهم هيلاري كلينتون منافسته السابقة.
ثم ان الرجل في خطاب توليه منصبه كرئيس للولايات المتحدة .. كان واضحا جدا حين قال مخاطبا العالم الاسلامي بانه يريد للعلاقات الامريكية الاسلامية ان تكون مبنية على المصالح المتبادلة ... وهذا تماما هو مبدأ الولايات المتحدة الثابت في سياستها الخارجية سواء كان رئيسها اوباما او بوش ... اسودا ام ابيضا .. لكن الاسلوب وطريقة التعامل هي التي تختلف. وهنا فعلى قادة الدول العربية والاسلامية والمبهورين بالولايات المتحدة .. والمتفائلين بالقادم الجديد ان يفهموا الدرس جيدا .. وان يلتزموا على الاقل بالكلمات الواضحة الي قالها اوباما في عرض سياسته بالنسبة للعالم الاسلامي. وبالتالي ان يتعاملوا معه بلغة المصالح التي يريدها هو والتي لا يفهم غيرها ... فما هي مصالح الولايات المتحدة لدى العرب والمسلمين؟ اليس النفط ؟ والمكان التجاري الهام جغرافيا وسوقيا؟ وماذا يريد العرب والمسلمون من الولايات المتحدة ؟ اليس فقط ان تكون على الاقل وسيطا محايدا في صراعهم الازلي مع الكيان الاسرائيلي ؟ وان تعمل بجدية على انهاء هذا الصراع بعدالة تحفظ لهم حقوقهم وكرامتهم ؟ اذن عليهم ان يفهموا سياسة المصالح جيداً .. وان يتعلموا كيفية الاستفادة منها .. اما الارتماء في الحضن الامريكي بلا ثمن .. والتبعية المطلقة وتنفيذ الاملاءات فهي لن تحقق للعرب والمسلمين اي شيء .. لان هذا ببساطة يتناقض مع سياسة الولايات المتحدة التي اعلنها اوباما بوضوح وهي التعامل وفق المصالح المتبادلة ... فما هي المصلحة التي قد يسعى لها اوباما حين يجد امة عربية اسلامية تابعة ومنفذة للاملاءات دون شروط؟ لاشيء اطلاقا .. سوى اتاحة الفرصة لسيد البيت الابيض الجديد .. القادم من جذور عانت من العبودية والتهميش .. اتاحة الفرصة له ليجرب شعور السيد مع عبيده .. وبالتالي لا مصلحة له مع العبيد ..!
شخصيا ايها الاصدقاء انا لا ارى في الرئيس اوباما سوى قناع جميل تحاول من خلاله الادارة الامريكية تحسين صورتها داخليا وخارجيا .. وبالتالي فهو اكثر خطورة من جورش بوش سيئ الذكر .. فالرئيس السابق بوش كان واضحا ومعبرا عن حقيقة الادارة والنظام الامريكي ... اما اوباما فهو النسخة المحدثة والمطورة من هذه الادارة .. والتي ترتدي قناع الحرية والتسامح والقوة .. وبالتالي من السهل ان ينخدع بها الكثيرون.